الجمعة، 4 ديسمبر 2009

ابن بطوطة يبعث من جديد ...

ابن بطوطة يبعث من جديد ...
والله لقد مللت ، ثلاثة أيام دون جدوى ولا أمل ، لقد تعبت ، وكأني مسافرة للقمر ، حتى القمر أصبح الوصول إليه سهلا ، يا رب ما العمل ؟ مساء الخير ... مساء الخير!!! لا أظنه خيرا ، ولكن مساء النور ، أنا أراك هنا منذ زمن ما الخطب ؟ هل لي أن أعرف ؟
والله حقيقة كنت أود الدخول لفلسطين ، ولكن كما تري المعابر مقفلة من يومين ، ولا أحد يدخل أو يخرج ، وأنا لا أريد الرجوع لبلدي بخفي حنين .
لقد صعب علي حالك ، ولكن انتظري قليلا ، سأذهب ثم أعود . حسنا لقد انتظرت ثلاثة أيام ، ولن يضرني إن انتظرت ساعة أخرى ، أو أكثر .
ها ما باله يأشر لي من بعيد ! نعم نعم سآتي لحظة .
اركضي من ذاك الاتجاه ولا تهتمي لأحد ، وكأنك لا ترين أحدا، هيا اركضي، وافعلي كما أمرتك ، أتعرف أنني تعبت من الركض وماذا بعد ؟
هل رأيت ذاك النفق ادخلي هيا ، نفق ! وما هو النفق ؟ هيا ادخلي لا مجال للشرح الآن .
وبعد ساعة ونحن نمشي خاطبني قائلا : الآن يمكننا أن نمشي بكل هدوء، فقد زال الخطر عنا .
وهل لي الآن أن أسأل أين أنا ؟
ومن قال أن هذا النفق يؤذي إلي فلسطين ؟
أراك تضحك من سؤالي ؟ هل به غرابة ؟ أنا أضحك من سؤالك ألم تسمعي يوما بكلمة نفق ؟
أكيد سمعت ، ولكن ليس من يسمع كمن يرى ،
نعم ، نعم هذا الذي نحن فيه الآن يسمي نفقا ، وهو ربط بين مصر وفلسطين ، به يمكن توصيل المؤونة ، وبعض الأشياء التي تنقص المجاهدين، نعم سمعت بهذا في آخر حرب على غزة . انظر إنها بؤرة ضوء تشع نورا ، نعم هذه هي فلسطين ، يا الله فلسطين ... كم كنت أتمني رؤيتها، لقد حقق الله لي مناي بفضلك ، شكرا لك ، لولاك لكنت الآن مازلت أمام المعابر أنتظر رحمة من أحدهم.
أنا لم أسألك لماذا أنت هنا ؟ أنا حقيقة سمعت بابن بطوطة ورحلته التي يقوم بها في غزة في هذه الأيام ، فرجوت الله أن يكتب لي لقاء معه . هل تعرفيه ؟ لا والله يا سيدي أسمع عنه فقط ، وسأسأل عن مكانه، ومن يسأل لن يتوه أبدا ، يا إلهي كم تنبضين بالأمل يا فتاة ، أنا ابن بطوطة الذي تبحثين عنه ، أنت هو؟
والله كما يقولون : الصدفة خير من ألف ميعاد ، أهلا بك سيدي لي الشرف أن أكون معك ، رجاء اقبل طلبي ولا تمانع ، أرجوك . حسنا ، حسنا ، ولكن هل تعرفين فلسطين ؟ أنا ؟ لا والله أسمع بها ولدي بعض الأصدقاء فيها ، لكن لا أعرف أين يقطنون بالضبط ، ومن أجلهم أحببت هذه الرحلة ، لعل الله يكتب لي رؤيتهم يوما . حسنا ، ولا أنا أعرف كيف سنبدأ الجولة معا .
حسنا أقترح عليك اقتراحا ، ولك الخيار في القبول أو الرفض ، لتكون بداية جولتنا في إحدى الضيع الموجودة في غزة ، فحقا لن نجد أرضا تلبس حوليها الأخضر المزركش بألوان الزهور الجميلة ، كما هي أرض فلسطين ، وخصوصا نحن الآن في بدايات فصل الربيع ، حسنا أوافقك الاقتراح .
مشينا حتى حل المساء ولم نر أرضا خضراء بعد ! ما هذا الخراب والدمار؟ لما كل هذا الركام هنا ؟
وكأن هذا المكان لو يكن يوما بستانا جميلا ! نعم أحس بهذا ،
انظر لذاك الرجل القادم من بعيد تعالي لنسأله هيا ، حسنا .
السلام عليكم ،

وعليكم السلام يا ولدي؟ كيف حالك يا عم ؟

من الله الحمد لله ، لكن من عباده ما أظن .
يا عم : لما كل هذا الدمار هنا ؟ ولماذا نري كأن الأشجار قطعت خصبا لا برضا ؟ أحس أن هذا المكان كان من زينة البساتين ، لا أعرف لماذا انتابنا نفس الشعور بما كان عليه هذا البستان ؟ نعم صدقتما ، وصدق شعوركما هذا البستان لي ، وكان من أجمل البساتين التي تعم بها هذه الضيعة . ولكن سألكما يوحي وكأنكما لم تسمعا بقصف غزة شهرا كاملا ... دون توقف عن إطلاق النار .
بلي سمعنا ، ولكننا لم نكن نعلم أنها بهذه الصورة من البشاعة والإجرام حقا .سألتماني عن قلع الشجر !
الأعداء قد احرقوا البشر فهل سيبقون على الشجر ؟ أصحاب قلوب الحجر .
آه يا زمن رحمك الله يا أحمد .
من أحمد هذا يا عم ؟ أحمد هو حفيدي الصغير ابن ابني ، كنا نأتي سويا هنا كل يوم بعد رجوعه من المدرسة ، كان له خروف صغير، يصحبه معه كل يوم إلي هنا ، أنا أقلم الشجر وأسقيه ، وهو يلعب معه ، ويطعمه ويسقيه ، ولكن في يوم أراد أن يذهب لرفيق معه ؛ ليجلب منه قفصا لعصفور قد اصطاده ، رماه الكلاب برصاصة في قلبه أردته شهيدا ، ما الذي فعله المسكين لا تعرف ، ولا أحد يعلم ؟ رحمه الله . أسف أخذنا الحديث ولم أسألكما ، أحس أنكما لستما من هنا ؟ نعم نحن رحالة أحببنا زيارة بلادكم الغالية . أهلا وسهلا بكم يعني أنتم ضيوفي اليوم ، هيا معي للبيت .
شكرا لك ، وشكرا لحسن ترحيبك ، ويشرفنا أن نكون ضيوفا عندك.

ذاك المنزل الصغير الذي دخلت النسوة إليه الآن هو منزلي . نعم منزلك جميل يا عم ، شكرا لك .
أحمد حي ، أحمد حي !!! هذا ما صاحت به النسوة قبل دخولنا ، وتعالت الزغاريد ، وقال العم : صار لنا أحمد من جديد .
أحمد حي !وصار لكم أحمد ! ألم تقل لنا أنه استشهد من فترة ؟ نعم لقد استشهد، واليوم أمه أنجبت لنا أحمد آخر . أطفالنا لا يموتون ، يستشهد واحد ، فننجب بدل الطفل عشرة . هيا ادخلي مع النساء ، وسيبقي رفيقك معي . حسنا شكرا لك . أسماء ، أسماء ، صاح العم لفتاة مرة من جانب الباب ، وأخبرها بأمرنا ، وطلب منها أن تبقيني مع الفتيات بالداخل .
أهلا وسهلا بك ما اسمك ؟ قالت أسماء . أنا خولة . أهلا وسهلا بك ، تشرفنا هيا معي للداخل .
شكرا لك . الله ، سبحان الله ، كما يقول المثل " كل بلاد وعزاؤها " نساء يعددن الطعام الخاص بمناسبة ميلاد المولود الجديد ، الذي سمي تلقائيا عندهم بأحمد ، هل تريدين أن ترى ابني الجديد أحمد ؟ قالت والدة المولود . بغاية الفرح أجبت: نعم أريد ، ومن يحق له أن يرى قمرا على وجه الأرض ويمانع . الله ما أجملك يا أحمد ! سبحان الله مصور الجمال فيك . جلست بالقرب من أم أحمد وأنا أنظر إليها وهي تحاكي مولودها قائلة : هيا لتكبر وتلحق بأحمد ، وأنجب بعدكما أحمد ، ويظل طول الحياة لدينا أحمد .
كم صعُبت علي هذه الكلمات، كلمات من أم شهيد، أم ثكلى في ابنها، تخيلتُ نفسي مكانها لو فقدت عزيزا يوما ، هل سأجد صبرا كما وجدته عند أم أحمد ؟ صبرا صار قوة تجعلها تحضّر مولودا جديدا للشهادة ... الله ما أقواك يا سيدة غزة وأكرمك ...
وبعد أن قضينا ليلة عند أهل أم أحمد استيقظت صباحا على صوت أسماء قائلة : جدي يخبرك أن ابن بطوطة يرغب في الرحيل وهو ينتظرك خارجا .حسنا أنا قادمة .
مع السلامة يا عم ، شكرا لك على حسن الاستقبال ، كم أسعدنا البقاء عندكم شكرا لك .
ابن بطوطة كيف كانت ليلتك مع العم ؟ ها ذاك الرجل الطيب ، حقا ما أطيب أهل هذا البلد الحبيب ! ظللنا طول الليل نحكي على قصص هذا الزمن ، وما يحدث فيه ، وقد حكي لي عن بطولات أهل غزة في قصفها الأخير . فعلا ما أشجعكم يا أسود غزة .
ليست الشجاعة عند رجالهم فحسب لو رأيت أم أحمد كيف تحاكي ابنها الصغير أحمد ، لعلمت أن أهل فلسطين يتوارثون الشجاعة جيلا بعد جيل ، وكل جيل يسعي للنضال من أجل البلد أكثر من الجيل الذي قبله .
أين سنذهب الآن في هذا الصباح الجميل ؟ حسنا لنتمشى ونري أين نصل عند وقت المساء ؟ لحظة واحدة سأجلب بعض المأكولات الخفيفة من هذا المحل الصغير . حسنا وأنا أنتظرك تحت ذلك الجدار . لقد أحضرت وجبة إفطار على الطريقة الفلسطينية ، كما أراها في شاشة التلفاز دوما ؛ زيتون ، وبندورة ، وجبن ، وخبز شامي ، وزيت . لكن ينقصنا كوبان من الشاي . انظر لتلك العجوز الواقفة أمام البيت ، هل أطلب منها أن تحضر لنا بعض الشاي ، وسآتي لها بكل ما يلزمها لإعداده . حسنا ، اذهبي وليتها تقبل ؛ لأني أحتاج كوب الشاي الآن لتعديل المزاج حقا . صباح الخير يا خالة . صباح النور يا بنتي . خالة هل لي بطلب منك رجاء ؟ نعم تفضلي ، لكن أنت لست من هنا ! من لهجتك عرفت ذلك . نعم صدقتي ، أنا من ليبيا ، وذاك رفيق سفري ابن بطوطة من المغرب ، نحن نقوم برحلة هنا في غزة . جلسنا هناك تحت الجدار لنتناول الإفطار، ولكن نحتاج من يعد لنا الشاي . وأتيت أطلب منك هذا الطلب. حسنا على العين والرأس ، لكن لا يجوز بيتي هو بيتكم ، وأنتم تجلسون في الخارج هذا مستحيل ، هيا أخبري صديقك ليدخل معنا للبيت ، أنتم ضيوفي اليوم هيا سأسبقك لداخل . حسنا شكرا لك .لماذا عدتي ؟ وأين الشاي ؟ لقد طلبت مني الدخول للبيت معها ، قالت بأننا ضيوفا عندها . والله خيرا فعلت ، هيا احملي معي هذه الأكياس . السلام عليكم يا خالة أين أنت ؟ وعليكم السلام ، أنا هنا في تلك الغرفة أدخلا هيا ، وأغلقي الباب رجاء . حاضر كما تريدين . لقد حضرتي الشاي شكرا جزيلا لك لقد أتعبناك معنا نحن آسفان . لا تتأسفي فنحن شعب يحب إكرام الضيوف ، ولا تعب علي لو أكرمتكما . الحمد لله . شكرا لك النعناع في الشاي يضفي عليه طعما رائعا جدا .

والآن لتسمحي لنا بالمغادرة ؛ لنقوم بباقي الجولة . الآن مستحيل الشمس تكون حارة عليكم في هذا الوقت من النهار . ابقيا عندي اليوم وغدا ارحلا باكرا إن أحببتما . نظرت لابن بطوطة لأري جوابا في عينيه . ابتسم قائلا : مثلما تريدين يا خالة . ما الوقت الآن بالضبط ؟ قالت الخالة . أجاب ابن بطوطة : الساعة الواحدة والنصف تماما . ها حان الوقت . الوقت ! وقت ماذا خالتي ؟ حسنا بنيتي بما أنكما من شعب مناضل مثل شعبنا لتساعداني اليوم قليلا . حسنا ولكن فيما بالضبط نساعدك ؟ حسنا اصعدي أنت يا ؟ ما اسمك بنيتي ؟ أنا خولة . عشت واسمك الجميل . وهذا رفيقي ابن بطوطة . أهلا وسهلا بك يا ولدي . حسنا يا خولة اصعدي على هذا السلم وانتظري . أنتظر ماذا بالضبط ؟ انتظري وسترين بنفسك لا تسبقي الأحداث . حسنا أسفه . ههههه لا تتأسفي . رباه كم أنت طيبة بنيتي . شكرا لك . لكني مشاكسة بعض الشيء ، لا والله روحك مرحة كثيرا ، ها هناك شخص قادم حسنا ماذا يرتدي ؟ ها سأري لم ألاحظه سأرى من جديد . إنه يرتدي قميصا أزرق بلون غريب بعض الشيء ، وبنطلونا أسود يمسك بسلال فيها خضر، وفواكه . حسنا أطلبي منه بعض الفاكهة ، أطلب منه أنا ؟ نعم هيا لا وقت لدينا . حسنا . يا عم هل لي ببعض الفواكه ؟ حسنا ولكن أين أم خليل ؟ أم خليل ؟ يسألني عن أم خليل ؟ أين هي ؟ ها والله كما قلت أنت طيبة جدا ، أنا أم خليل قولي له هي من تريد سلة الفواكه . حسنا . خالتي أم خليل تريد سلة الفاكهة التي لديك . حسنا خدي يا ابنتي . شكرا لك . تفضلي يا خالة . حسنا هل لي بذاك الكيس يا ابني حسنا . هذا؟ نعم . تفضلي جزآك الله خيرا . خولة أعطني الكيس الذي في السلة ، وضعي هذا الكيس مكانه . وقولي له لمن نعطي الفاكهة اليوم ؟ حسنا .يا عم لمن نعطي الفاكهة اليوم ؟ خذوها لأم فارس فالضيوف عندها اليوم .
حسنا مع السلامة . في أمان الله . ها رويدا ، رويدا كي لا تسقطي . لقد أخبرني بأن نأخذ الفاكهة لأم فارس فالضيوف عندها اليوم . لقد جاء دورك يا ابن بطوطة الآن أدخل لتلك الغرفة وأزح ذاك اللوح على الحائط . حسنا ما أثقل هذا اللوح ! ها هو طريق ، فهمت الآن ، سنذهب لأم فارس ، نعم لكن أنت من سيذهب الآن، حسنا ،ولكن كيف لي أن أعرف الطريق التي تؤدي لبيت أم فارس وماذا سأفعل ؟ حسنا اذهب من ذاك الطريق واحمل هذه السلة معك ، وعندما تصل لآخر الطريق تجد أولادا ، وبنات صغار يلعبون بالحبال والكرة ، قل لهم بالحرف الواحد أطفال ، يا أطفال ، كيف حال أم فارس ؟ وهما سيستلمون المهمة منك . حسنا ولكنهم أطفال !
كلا إنهم ليوث وأشبال غزة لا تقلق . حسنا مع السلامة الآن . في أمان الله . خالتي أنت تقومين بتوصيل المؤونة للمجاهدين ؟ نعم وأقوم بالمشاركة في إعداد الطعام مع بعض نساء هذا الحي ، لكن اليوم الأكل على أم محمود . خالتي ألا تخافين أن يكتشفوا أمركن ، لا يا خوخة ولو اكتشفوا أمرنا فنحن في كلا الحالتين سنموت ، ولن يبقي في هذه الأرض غير وجه الله الكريم ، فلنمت موتة نتشرف بها يوم لقاء الله ، ولتفخر البلاد بأبنائها يا بنيتي . فعلا ما أعظم البلاد ، وما أعظم شعبك يا خالتي . ليتني أملك ما ملكتي من الشجاعة ، لا أعرف هل لأنني لم أعش أجواء صعبة كما هو الحال عندكم ؟ نعم لست جبانة بنيتي ؛ لكن الأوضاع هي من تصنع الناس يا خولة . لقد أفرحتي قلبي شكرا لك .
خالتي لقد أتي المساء وابن بطوطة لم يأت حتى الآن ! نعم فالعملية لن تأخذ ربع ساعة منه . لعله ذهب ليتمشي هناك قليلا ، لا تقلقي لا شيء يدعو للقلق يا خولة . وبعد نصف ساعة من الحديث ها لقد أتيت لقد انشغلنا عنك ، أي قلب صلب يملكون شبابكم يا خالة ؟ لقد أنهيت المهمة التي طلبتها مني ، وعند رجوعي أردت أن أشرب كوب ماء ، فمررت من مدرسة قريبة منكم ، وجدت عامل المدرسة جالسا أمام المدرسة ، فطلبت الماء منه ، فأدخلني للمدرسة ، وبينما هو يحضر الماء لي رأيت شبابا في عمر الزهور ، يسألون مدير المدرسة أن يأذن لهم بأن يذهبوا ليقفوا مع رجال الانتفاضة ؛ ليرموا الحجارة على كلاب اليهود ، لكن المدير امتنع عن تلبية رغبتهم في الذهاب ، قال لهم : أنتم تريدون الهروب من المدرسة والدروس ، هيا عودوا إلي فصولكم الآن ، لكني رأيت كلام المدير لم يلق ذلك القبول عند الطلاب الأشبال ، الذين أطلقت عليهم هذا اللقب . ها وبعد أكمل .
حسنا يا خولة .
عندما أخذت الماء من عامل المدرسة خرجت من الباب الخلفي للمدرسة ، تفا جئت بالطلاب وقد تسلقوا جدار المدرسة ، ومنه إلي خارج المدرسة ، ثم بدؤوا يبتعدون بكل حماس عن المدرسة ، فقررت أن أتبعهم لأري وجهتهم التي هربوا من أجلها ، لقد دخلوا شارعا وخرجوا من آخر، ومن طريق إلي طريق آخر، من مر لأخر أيضا ، ثم وقفت أراقب من بعيد، وجدتهم قد دخلوا إلي معسكر لكلاب اليهود تفا جئت حقيقة ؛ عمل لا يقوم به إلا الشجعان من الشباب ، وما أظنهم إلا شجعانا أيضا ، دخل فريق وبقي أخر يحرس المكان ، ثم استلموا إشارة بالدخول أيضا ، ولكن حصل ما لم يكن متوقعا ، جاء بعض أفراد جيش اليهود على حين غفلة والشباب لم يعرفوا بالأمر بعد ؛ لكن بعض الشباب رأوا ذلك فدخلوا لتنبيه أصحابهم ، الفريق الأول خرج ونجا أما الثاني لم يكن يعرف بما يحدث في الخارج ، لكن بطريقة عبقرية من الفريق الأول للفت انتباه الجيش ظل يلاحقهم ظنا منه أنهم هم فقط من كانوا في المعسكر، فظل الجيش يجري وراءهم ويطلق الرصاص عليهم ، والفريق الثاني ظلوا في المعسكر لأخذ بعض الأشياء منه ، لتكون دليلا على وصولهم لذلك المعسكر، أنا كنت بعيدا عنهم وأري الموت أمامي ، وهم لا يرون غير الهدف الذي جاؤوا من أجله ، لقد استشهد بعض الشباب . لكن الغريب أنه كما يستشهد واحدا من المجموعة يزيد في رفقائه حماسا للوصول وتحقيق الهدف . وأخيرا نجا من نجا منهم ، وأحضروا علم اليهود ، وبعض المعدات : حمالة الجرحى ، وخيم التنقل ، التي تتخذ في المخيمات للنوم فيها. ها وبعد ! نعم وصل الشباب الأبطال للمدرسة ، ودخلوا من بابها ، ووقفوا في الساحة وبدؤوا يهتفون بالأناشيد ، والهتافات التي تنزل الدمع دما من العين ، فعلا منظر ولا أجمل منه .
خرج المدير من الإدارة مسرعا لساحة المدرسة ليرى ما الخطب رأي الشباب أنفسهم وقد أشعلوا نارا في علم اليهود وبدؤوا يدوسونه بأرجلهم ، ويرقصون فرحا، نظر المدير نظرة عز وفخر بهم ولهم ، وأمرهم بأن يتفضلوا معه للإدارة ، وكرمهم أمام زملائهم الذين شاركوهم هذا الصنيع الرائع ، فعلا توسموا بوسام الشجاعة والإقدام ولا أجمل من ذاكين الوسامين .
وهذا ما أخرني عنكم . فعلا منظر يستحق أن يشاهد ، حسنا هيا لنعد وجبة العشاء لتذهبا للنوم ، فقد كان يومكما شاقا جدا .
بنيتي اقفلي مصباح الزيت عند خلودك للنوم ، فلا زيت في البيت غير الموجود في هذا المصباح. خالة يعني سأنام في الظلام ؟
نعم . ولكن أنا أخاف من الظلام .خالتي لدي اقتراح دعيني أنام والمصباح مضيء ، وغدا سأذهب أنا وابن بطوطة لشراء الكثير من الزيت، ليبقي لك مدة طويلة، فالكهرباء عندكم مشكلة حقا . حسنا افعلي ما بدي لك يا خولة . تصبحين على خير .وسآخذ هذا اللحاف لابن بطوطة وأعود لأنام معك . حسنا .
صباح الخير يا ولدي هل نمت جيدا بالأمس ؟ نعم شكرا لك على جميل استقبالك يا خالة . أين خولة لم تفق بعد ؟ لا هي تحضر وجبة الإفطار في المطبخ .
صباح الخير ابن بطوطة . كيف حالك اليوم . كيف كانت ليلتك في الظلام .حقا خفتُ من الظلمة ، ولتستعد بعد الإفطار لنذهب لجلب الزيت للخالة ما رأيك ؟ حسنا يا خولة كما تريدين ، المهم ضعي سفرة الإفطار على الطاولة هيا . عذرا لقد نسيت .
خالتي نحن سنذهب لإحضار الزيت هل تريدين شيئا آخر نحضره قبل عودتنا . لا شكرا لكما كل شيء موجود اليوم . اذهبا بألف سلامة .شكرا لك نراك لاحقا .
يا الله ماذا يفعل اليهود هناك ؟ لا أعرف ربما جولتهم الاعتيادية . ولماذا يعترضون طريق ذاك الشاب ها أين هو ؟ هناك قرب إشارة السير . نعم رأيته يا الله كأنهما يبحثان عن شيء عنده ! انظر لشجاعته كيف يخاطبهم وهو لا يعير لهم أي اهتمام ، يا الله قطع الله يدك أيها الوغد لقد ضربه ، إني خائفة ، لا تخافي يا الله لشجاعته كيف له أن يقوم بضرب الوغد الذي ضربه حقا ما أشجعك أيها الفتي الشجاع ! . يا الله لقد أخذوه أين سيذهبون به ؟ والله لا أعرف أظنهم سيحققون معه، هل سيقتلونه ؟ لا أعرف ولكن لا تستغربي من اليهود أي فعل شنيع ، فهم أهل الخيانة والغدر ، وقد عرفوا بذلك منذ زمن . فلا غرابة هيا لنبحث عن شخص يبيع الزيت . حسنا .أظن ذاك المحل يبيع الزيت لنذهب ونسأل صاحبه ، حسنا .
السلام عليكم ، أسعد الله صباحك سيدي . أسعدت صباحا يا بني . هل أستطيع مساعدتكما ؟ نعم ، نحن بحاجة لبعض الزيت الذي يستخدم في إضاءة المصابيح ، نعم ولكن ليتكما أتيتما قبل قليل ، لقد نفذ ، ولن تجدانه عندي إلا غدا مساءً ، حسنا شكرا لك نراك لاحقا .
لقد تأخرنا ونحن نشاهد ذاك الشاب البطل ، قلبي يأكلني عليه حقا . لا عليك يا خولة ، هم أبطال هذا الزمن، فلا تخشي عليهم هو ما تجرأ عليه وضربه ، إلا لأنه يعلم أنه أقوي منه . نعم صدقت .
هيا نرجع للبيت ونعود في المساء . لكن لنقوم بجولة في هذه الأنحاء القريبة من هنا . هيا . الأجواء جميلة ، وهواء البلد نقي جدا هنا ، هل تعلم لولا سوء الأوضاع التي تحيط بالبلد ، لكان أهلها من أسعد سكان العالم الذي نعيش فيه .
هل تعلم أنا دائما أخاطب نفسي وأقول : لو وقف أمامي كلب من كلاب اليهود ماذا سأفعل ؟ هل تعلم سأموت رعبا ؛ لأنني لم أراهم حقيقة ، ولأنني لم أعش في واقع أليم ؛ لذلك لا أعرف ردت فعلي حقا . نعم ، ولكن انظري لتلك الفتاة الصغيرة ، وما تفعل ؟ يا الله لديها خط جميل ، إنها تكتب على الحائط ، هيا لنذهب تجاهها ونري ما تكتب . حسنا . مساء الخير حبيبتي ، ماذا تفعلين ؟ مساء النور ، أنا أحاكي بلدي ، تحاكين بلدك ! كيف ؟ ألم تسمعي أن: فلسطين قلب ينبض في كل مكان ؟ ها ، نعم ، نعم أعلم . لذلك أخاطبها الآن، انظرا ماذا كتبت هنا : (( فلسطين نبض في القلب ، أبدا لن يتوقف )) الله جميل ما كتبت . أنت رائعة حقا . لقد أتي اليهود انظر اليهود ، يا الله ماذا يريدون ؟هم آتون صوبنا . لا تخافي يا خولة ، انتظري كوني هادئة قليلا .
ماذا تفعلون هنا ؟ نحن لا شيء . من كتب هذا الكلام التافه . ليس هناك شيء تافه أكثر من وجودكم في بلدي . ماذا قلت . ما سمعته . هيا امسحي ما كتبت هنا هيا ، لا لن أمسحه أبدا ، لن أمسح ما كتبته . حسنا سأمسح أنا ما كتبتي على الحائط أيتها الطفلة الحمقاء . ومن أحمق منك، لو مسحتها من الحائط ، أتظن أنك ستمسحها من قلبي ! غبية . هيا ورائي يا جنود .
يا الله ألم تخافي يا طفلتي الجميلة ، لقد مت رعبا عليك ، فاليهود لا يعرفون الرحمة حقا .
هيا ادخلي للبيت ، وابقي مع والدتك هيا . حسنا ، ولكن بعد أن أعيد ما كتبته أولا . ههههه حسنا افعلي ذلك وادخلي للبيت . حسنا مع السلامة .
الله علي هذا الشعب البطل فعلا شرف أن تكون فلسطين لهم حقا .هيا لنعود للخالة . هيا بنا
لقد عدتما نعم هل أحضرتما الزيت ؟ لا أخبرنا أن نأتي غدا في المساء . مشكلة حقا . فالزيت ينقص علينا دوما .

وفي صباح اليوم الثاني :
انتظرني سآتي معك ،لا ، سأذهب لوحدي اليوم ابقي أنت مع الخالة . حسنا ، تذهب وترجع بألف سلامة .
شكرا لك أراكما لاحقا في أمان الله يا ولدي .
خالتي لقد فات نصف اليوم وابن بطوطة لم يرجع بعد ، أوضاع البلاد عنكم لا تطمئن يا خالتي .
لا تقلقي يا ابنتي ، سيرجع قريبا . خالتي ، خولة أين أنتما ؟
نحن هنا في غرفة الضيوف تعال . لقد عاد الحمد لله . أين كنت ؟ لقد قلقنا عليك .
خولة قبل أي شيء خمني مع من تحدثت اليوم ؟ أخمن أنا لا اعرف أحدا هنا كيف سأخمن ، أو حتى لو عرفت ما أدراني أنهم يقطنون هنا في هذه المنطقة ؟ حسنا الشاب هل عرفته؟ الشاب ! أي شاب ؟ ها الشاب تذكرت ما باله ؟ نعم هو من حاكيته اليوم .
لقد ذهبت لصاحب الزيت واشتريت منه زيتا ، وعندما كنت خارجا اشتبك قميصي بمسمار كان عالقا في باب المحل ، فتمزق القميص فأحرج بائع الزيت مني ، وأخبرني بأن أذهب لصديق له ليصلح قميصي ، لم أكن لأذهب ، فلدي غيره ، ولكني أردت أن أخذ بخاطر صاحب المحل كي لا يحس بالذنب .
خيرا فعلت ، والمفاجأة هي أن صديقه هو نفسه الشاب الذي رأيناه ، أطلقوا سراحه ؟ لا هو من أطلق سراح نفسه ، ها كيف هيا أخبرني ! أخذوه للتحقيق عندهم ، وأرادوا منه بعض المعلومات عن رجال المقاومة ؛ لأنه كان يحمل بطاقة توحي أنه من أبطال المقاومة، نعم وماذا بعد هيا لقد شوقتني ؟ حسنا . الشاب لم يخبرهم بأي شيء ، فجن جنون الجنود من شجاعة الشاب ، صرخ أحدهم في وجهه قائلا : هل تظن نفسك شجاعا ؟ هيا اصعد وأنزل ذاك العلم ، علم فلسطين ؟ نعم ، هو بعينه ، ها وبعد ؟ لم ينزل الشاب العلم ، وقال لهم : لو قتلتموني لن ينزل علم البلاد من على القمة أبدا ولو كان الثمن حياتي .
فأخذه الجنود ، وكبلوا يديه ، وأجلسوه في غرفة مظلمة ، وهو طول الوقت ، كان يفكر في الهرب من ذاك المكان ، لكن ما لم يتوقع أحدهم حدوثه هو هجوم فرقة من المقاومة ، صدفة لذلك المكان الذي اتخذه اليهود للتحقيق مع أبطال غزة المحتجزون عندهم ، وبعد هيا ؟ ضرب رجال المقاومة صاروخا على ذاك المكان ، وأنزل الرعب في قلوب الجنود، فتركوا المكان كل يريد الفرار بحياته ، فوجد ذاك الشباب الفرصة التي انتظرها وخرج من ذاك المكان المظلم مسرعا نحو رجال المقاومة وسلم نفسه إليهم ثم أعادوه إلي الجهة التي ينتمي إليها . الله حقا بطل ابن بطل . سلمت الأم التي أنجبت ذاك الشهم حقا .
فعلا كم أنا سعيدة بقدومي إلي بلادكم يا خالة ، وكم تمنيت لو التقيت ببعض الأصحاب الذين كونت معهم صداقة عبر الإنترنت ، لكن الوقت لا يسمح . حسنا يا خولة هل ستكملين معي باقي الرحلة أم ماذا ؟ حقيقة أنا استمتعت كثيرا بالقدوم معك إلي هنا ، ولكن حان وقت رجوعي لبلدي ؛ لأني لا أريد التأخر على وقت الامتحانات ، فأنا في آخر فصل دراسي ، ولا أريد أن أضيع الجهد الذي بدلته فيه . حسنا هيا سأوصلك من حيث أخذتك ، وبعدها أكمل رحلتي ، لعلي أجد رفيقا معي كما وجدتك .
حسنا شكرا لك يا خالة ، فترحيبك بنا شيء يشرفنا حقا ، ولن ننسي جميل صنيعك معنا .
مع السلامة ، وعلّ الأيام تكتب لنا لقاء آخر بك .هيا بنا . حسنا هيا .
هل تعلم يا ابن بطوطة أن الزمن الذي يعيشه هذا الشعب الطيب قد جعل حتى من نسائهم أسودا في وجه اليهود الجبناء : أم أحمد ، وأم خليل حتى الطفلة كانت واثقة كثيرا بانتصارها على ذاك الجندي الغبي الجبان .
فعلا كم هو شعب يهوي البطولة حقا .
هل سيكون يوما عندنا أم أحمد وأم خليل ؟ وهل ستنجب البلاد العربية يوما بطلا كما الشاب الذي رأينا .
وهل سيكون لنا إصرار كإصرار أبطال المدرسة الذين حكيت لي عنهم .
حقا أنا منبهرة بشجاعة هذا الشعب الذي يتنفسها مع الهواء .
ها قد وصلت شكرا لك . رحلة ممتعة قضيتها معك ، رجاء أن نلتقي مرة أخري في بلد آخر، وأشكر لك صنيعك الجميل معي ، لقد تركت لك رقم هاتفي في الجيب الخلفي من حقيبتك ؛ لنكون دوما على اتصال .
حسنا ، فرصة سعيدة يا خولة ، في أمان الله مع ألف سلامة .سأراك يوما ما ، وفي بلد آخر إن كان لنا عمر لرحلة ثانية .

ليست هناك تعليقات: